الفشل مستمر في ساحة التعليم، امتحانات الثانوية العامة الماضية كشفت المستور، ضربت الوزير الحالي في مقتل، عرّت أدواته، أثبت بالدلائل والبراهين أن "هلال الشربيني" يلعب خارج صندوق الإبداع، ويحلق في دوائر الفشل، الحكومة من جانبها تحاول لملمة ما تبعث من الوزير، تسعى حاليا للتبرير والتجميل، أحدث تصريحاتها نظام جديد للتعليم بدون ثانوية عامة.
إني راحلة الثانوية
كان الدكتور طارق شوقى، الأمين العام للمجلس الاستشارى الرئاسى للتعليم، قد جدد تصريحه في هذا الجانب، مؤكدا أن هناك نظاما جديدا للتعليم في مصر لن يضم الثانوية العامة من الأساس، وسيبدأ تطبيقه على من يلتحقون بالتعليم الابتدائى عام 2017 وسيكتمل بعد 12 عاما بشكل كامل.
شوقي وصف النظام الجديد بأنه لا يعتمد على الحفظ والتلقين ويتضمن آلية حديثة للتقييم وسيحل أزمة الغش في الامتحانات؛ لأنه سيضع امتحانا قوميا واحدا للحكم على مستقبل الطلاب، وأن التقييم سيكون تراكميا وليس لمرة واحدة.
إني راحلة الثانوية
أكد شوقي أن هذا النظام التعليمي الجديد سيتطلب تدريب المعلمين ورفع مستواهم الاجتماعي، وماذا قال "شوقي" من معلومات أخرى تفصيلية وشارحة، ولم يشرح "شوقي" ولم يفسر ولم يضف كثيرا، ولم يذكر هل ستتغير المناهج أم لا؟، بالرغم من اعتراف وزير التعليم بطباعة المناهج الجديدة بنسبة 75% من الكتب الدراسية؟ وما هي الأنظمة الشبيهة له في العالم؟ وهل سيطبق هذا النظام على كل المدارس الحكومية والتجريبية والخاص في مصر أم على مدارس بعينها؟ وهل سيطرح هذا النظام إلى حوار مجتمعي لمناقشته مع خبراء التعليم؟ وكيف سيطبق؟
الدكتور كمال مغيث، الخبير التعليمي والباحث بالمركز القومي للبحوث التربوية، علق على المطروح قائلا: هذا الكلام موضوع إنشاء ليس إلا، موضحا أننا كخبراء تعليم نرى أنه لا بد أن يكون نظام التعليم لا يعتمد على المهارات الدنيا من الحفظ والتذكر، ويركز على المهارات العليا من الإبداع والنقد والتحليل والفهم وغيرها، ونرى أننا في حاجة أن يكون هناك امتحان الفرصة الوحيدة في الوقت الوحيد في اليوم الوحيد.
إني راحلة الثانوية
ورأى مغيث أن نظم التعليم في العالم كله هي عملية مستمرة من أول يوم دراسي، وبالتالي لا يوجد رعب مثل الثانوية العامة، متسائلا كيف سيتم النظام الجديد؟ هل سيكون أقرب للتجربة اليابانية أو الأمريكية أم غيرها، كما لم يقول هذا النظام هل المعلمون سيتم تدريبهم على هذا النظام؟ وكيف سيتم تدريبهم؟، ولم يذكر لنا هل المناهج ستظل هكذا أم ستتغير؟ أم ستعتبر ستكون مجرد موضوعات تأشيرية للمنهج العلمي الذي يدرس، ولم يذكر النظام هل سيطبق على التعليم الحكومي فقط أم سيشمل التعليم الخاص والأزهري والدولي.
وأوضح الخبير التربوي، أن الحديث أن هذا النظام سيطبق في عام 2017 في الصف الأول الابتدائي، وتابع: "من المفترض أن المناهج قد انتهوا منها، لذلك اعتبر أن هذا النظام موضوع إنشاء ليس إلا، إضافة إلى أنه يذكر رفع مستوى معيشة المعلم فعل سيرفع مستوى المعلم الابتدائي وسيترك الإعدادي والثانوي لحين تطبيق النظام عليهم، أمور كثيرة غير واضحة"!.
فيما ذكر أيمن البيلي، الخبير التعليمي، أنه لم يتم وضع تفاصيل هذا النظام كاملة، ولم يعلن حتى الآن عن تفاصيله، كما أن الكتب الدراسية لم يتم تغييرها ولم تطبع إلى الآن، متسائلا هل سيطبق هذا النظام على كل المدارس الحكومية أم سيطبق على التجريبية التابعة للوزارة؟ وإذا كان هناك تغيير حقيقي لنظام التعليم فهل تدريب المعلمين قد تم بالفعل على المنهج الجديد؟ وهل تم تغيير المناهج في منظومة التعليم الأساسي؟، هل تم طباعة الكتب كما أعلن وزير التعليم أنه قد تم طباعة 75% منها؟.
أوضح البيلي، أن ما أعلنه "شوقي" هو مجرد عناوين رئيسية لنظام جديد لم يكتمل بعد أم أن هناك محاولة لإخفائه ولا نعلم سبب إخفائه لأنه قد صرح أكثر من مرة، أما فيما يخص بإلغاء الامتحانات في نهاية 12 عاما من التعليم فإن نظام التعليم الفنلندي هو من يقوم على التقييم الدوري كل شهر بدون امتحانات نهائية ويتم جمع درجاتهم بتقويم تراكمي وينتهى العام بمجموع درجات الطالب بحد أدنى للنجاح.
وقال البيلي إنه إذا كان هذا النظام سيتم تطبيقه بالفعل فإن نظام التعليم الابتدائي فيه لا يتم تعيين المعلمين فيه إلا من حملة المؤهلات الأعلى من التعليم العالي بمعنى أن يكونوا من حاملي الماجستير والدكتوراه، وأن يكونوا من المتخصصين في فروع التعليم الأساسي مثل تعليم الأبجدية والمبادئ الأولى للحساب، وأيضا استخدام التكنولوجيا في تطبيق طرق التدريس، متسائلا هل تم تغيير المدارس لتكون بيئة تعليم جاذبة حقيقية مزودة بكل الوسائل التعليمية الحديثة والوسائط التعليمية وفقا لما جاء بهذا النظام؟، لأن كل دول العالم التي تطبق أنظمة حديثة مثل اليابان أو فنلندا أو غيرها كلها تعتمد على ثلاثة عناصر أساسية أولها تكنولوجيا التعليم وطرق التدريس غير تقليدية وأجور المعلمين المرتفعة من الأدنى إلى الأعلى والأعلى مؤهلا من الأدنى للأعلى بمعنى أن يكون الابتدائي الأعلى راتبا ومؤهلا، فهل هناك خطة متكاملة على مراحل تتم خلال 12 عاما وهناك سياسات موضوعة للتنفيذ أم أنها خطة نظرية حتى اليوم.
ورأى عبدالحفيظ طايل، مدير المركز المصري للحق في التعليم، رأى أن هذه التصريحات حول نظام تعليمي لم يعرض إلى الحوار المجتمع وتفاصيله غير كاملة حتى يكون الناس شركاء فيه، إضافة إلى أنه بطبيعة الحالة عندما يكون وزارة أو هيئة استشارية وضعت نظام ما ستدافع عنه ونحن خبراتنا المتوارثة عن وزارة التربية والتعليم فعندما تم تطبيق نظام التقويم الشامل ظلوا يؤكدون أنه سيحل كل مشاكل التعليم في مصر، وعمل هذا النظام من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الثالث الإعدادي ثم تم إلغاؤه فجأة بدون إبداء أي أسباب.
وأوضع طايل أن الفكرة الأساسية هنا أننا أمام حالة مكررة ومعادة وسببها الرئيسي هو أن التعليم في مصر يسير ويدار ليس بارتباطه باحتياجات المجتمع التنموية ولكنه يدار باحتياجات السلطة السياسية للتعليم، وليس بالضرورة أن يكون رئيس أي دولة خبيرا في التعليم، ولكن كل نظام تعليمي ينتهى بانتهاء مدة كل رئيس جمهورية وهكذا.
أكد طايل أن أي نظام تعليمي يتجاهل طبيعة المشكلة الموجودة والتي يمكن حصرها في ثلاث نقاط رئيسية، وهى غياب رؤية تنموية وتربوية للتعليم، لأن الرؤية الحالية سياسية قائمة على الاستخدام السياسي للتعليم بمعنى استخدام المناهج التعليمية من أجل الحشد للمشروع السياسي للنظام الحاكم منذ عهد محمد على حتى اليوم وليس موضوع الساعة، والنقطة الثانية أن التعليم المصري تعليم فقير جدا من أفقر أنظمة التعليم ماليا في العالم يقدر بربع المتوسط العالمي، والدستور يقول إنه لا بد أن يكون 4% من الدخل القومي للتعليم قبل الجامعي وما نراه لا يساوى 1.5%، موضحا أن الأزمة الثالثة هي السيطرة الأمنية والبوليسية على التعليم المصري في حرية البحث العلمي وحرية التفكير.
أوضح الخبير التعليمي، أن السياسة الواضحة في سياسات الحكومات المصرية المتعاقبة هي تسليع وخصخصة التعليم في مصر أي تحويله من حق إلى سلعة، فالمشكلة هنا أن التصريحات حول نظام تعليمي جديد أن توضع تفاصيل هذا النظام ودون إشراك المجتمع المدني والمهتمين بالتعليم في صياغة رؤية للتعليم فسيكون كل النظام الجديد "هبل في هبل" لأنه لا يجيب على سؤال ماذا نريد من التعليم؟.